فصل: تفسير الآيات (40- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (38- 39):

{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}
{قَالَ ادخلوا} أي يقول الله تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بآياته} وهم كفار العرب {فِى أُمَمٍ} في موضع الحال، أي كائنين في جملة أمم، وفي غمارهم مصاحبين لهم، أي ادخلوا في النار مع أمم {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} وتقدّم زمانهم زمانكم {لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} التي ضلت بالاقتداء بها {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا} أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} منزلة وهي الأتباع والسفلة {لأولاهم} منزلة وهي القادة والرؤس. ومعنى لأولاهم: لأجل أولاهم؛ لأن خطابهم مع الله لا معهم {عَذَاباً ضِعْفاً} مضاعفاً {لِكُلّ ضِعْفٌ} لأنّ كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين {ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ} قرئ الياء والتاء {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسفلة {لِكُلّ ضِعْفٌ} أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا، وأنا متساوون في استحقاق الضعف {فَذُوقُواْ العذاب} من قول القادة، أو من قول الله لهم جميعاً.

.تفسير الآيات (40- 41):

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}
{لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} لا يصعد لهم عمل صالح {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10]، {كَلاَّ إِنَّ كتاب الابرار لَفِى عِلّيّينَ} [المطففين: 18] وقيل: إنّ الجنة في السماء، فالمعنى لا يؤذن لهم في صعود السماء ولا يطرّق لهم إليها ليدخلوا الجنة. وقيل: لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين. وقيل: لا تنزل عليهم البركة ولا يغاثون، ففتحنا أبواب السماء. وقرئ: {لا تفتح}، بالتشديد. {ولا يفتح} بالياء. {ولا تفتح} بالتاء والبناء للفاعل ونصب الأبواب على أنّ الفعل للآيات. وبالياء على أن الفعل لله عزّ وجلّ.
وقرأ ابن عباس: {الجمل}، بوزن القمل. وسعيد بن جبير: {الجمل} بوزن النغر. وقرئ: {الجمل} بوزن القفل. {والجمل} بوزن النصب. {والجمل}. بوزن الحبل. ومعناها القلس الغليظ لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة، وعن ابن عباس رضي الله عنه: إنّ الله أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل، يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سمّ الإبرة، والبعير لا يناسبه؛ إلاّ أن قراءة العامّة أوقع لأنّ سم الإبرة مثل في ضيق المسلك. يقال: أضيق من خرت الإبرة. وقالوا للدليل الماهر: خِرِّيت، للاهتداء به في المضايق المشبهة بأخرات الإبر. والجمل: مثل في عظم الجرم. قال:
جِسْمُ الْجِمَالِ وَأَحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ

إن الرجال ليسوا بجزر تراد منهم الأجسام، فقيل: لا يدخلون الجنة، حتى يكون ما لا يكون أبداً من ولوج هذا الحيوان الذي لا يلج إلاّ في باب واسع، في ثقب الإبرة، وعن ابن مسعود أنه سئل عن الجمل، فقال: زوج الناقة، استجهالاً للسائل، وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلف. وقرئ؛ {في سم} بالحركات الثلاث: وقرأ عبد الله: {في سم المهيط} والخياط؛ والمخيط كالحزام والمحزم: ما يخاط به وهو الإبرة {وكذلك} ومثل ذلك الجزاء الفظيع {نَجْزِى المجرمين} ليؤذن أن الإجرام هو السبب الموصل إلى العقاب، وأن كلّ من أجرم عوقب، وقد كرره فقال: {وكذلك نَجْزِى الظالمين} لأنّ كلّ مجرم ظالم لنفسه {مِهَادٌ} فراش {غَوَاشٍ} أغطية. وقرئ: {غواش} بالرفع، كقوله تعالى: {وَلَهُ الجوار المنشآت} [الرحمن: 24] في قراءة عبد الله.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}
{لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} جملة معترضة بين المبتدإ والخبر، للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو في الوسع، وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل والصالح.
وقرأ الأعمش: {لا تكلف نفس}.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
من كان في قلبه غلّ على أخيه في الدنيا نزع منه، فسلمت قلوبهم وطهرت ولم يكن بينهم إلاّ التوادّ والتعاطف.
وعن عليّ رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم {هَدَانَا لهذا} أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم وهو الإيمان والعمل الصالح {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ} اللام لتوكيد النفي ويعنون: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله وتوفيقه. وفي مصاحف أهل الشام: ما كنا لنهتدي بغير واو، على أنها جملة موضحة للأولى {لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} فكان لنا لطفاً وتنبيهاً على الاهتداء فاهتدينا يقولون ذلك سروراً واغتباطاً بما نالوا، وتلذذاً بالتكلم به لا تقرّباً وتعبداً، كما نرى من رزق خيراً في الدنيا يتكلم بنحو ذلك ولا يتمالك أن لا يقوله للفرح لا للقربة: {ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة} أن مخففة من الثقيلة تقديره: ونودوا بأنه تلكم الجنة {أُورِثْتُمُوهَا} والضمير ضمير الشأن والحديث أو تكون بمعنى أي؛ لأنّ المناداة من القول، كأنه قيل: وقيل لهم أي تلكم الجنة أورثتموها. {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بسبب أعمالكم لا بالتفضل، كما تقول المبطلة.

.تفسير الآيات (44- 45):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}
(إن) في {أَن قَدْ وَجَدْنَا} يحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة وأن تكون مفسرة كالتي سبقت آنفاً، وكذلك {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} وإنما قالوا لهم ذلك اغتباطاً بحالهم، وشماتة بأصحاب النار، وزيادة في غمهم، لتكون حكايته لطفاً لمن سمعها، وكذلك قول المؤذن بينهم: لعنة الله على الظالمين. وهو ملك يأمره الله فينادي بينهم نداء يسمع أهل الجنة وأهل النار. وقرئ: {أن لعنة الله} بالتشديد والنصب.
وقرأ الأعمش: {إن لعنة الله} بكسر إن على إرادة القول، أو على إجراء {أَذِنَ} مجرى قال.
فإن قلت: هلا قيل: ما وعدكم ربكم، كما قيل: ما وعدنا ربنا؟ قلت: حذف ذلك تخفيفاً لدلالة وعدنا عليه. ولقائل أن يقول: أطلق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة؛ لأنهم كانوا مكذبين بذلك أجمع، ولأن الموعود كله مما ساءهم وما نعيم أهل الجنة إلاّ عذاب لهم فأطلق لذلك.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} يعني بين الجنة والنار. أو بين الفريقين، وهو السور المذكور في قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُور} [الحديد: 13] {وَعَلَى الأعراف} وعلى أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه، جمع عرف استعير من عرف الفرس وعرف الديك {رِجَالٌ} من المسلمين من آخرهم دخولاً في الجنة لقصور أعمالهم، كأنهم المرجون لأمر الله، يحبسون بين الجنة والنار إلى أن يأذن الله لهم في دخول الجنة {يَعْرِفُونَ كُلاًّ} من زمر السعداء والأشقياء {بسيماهم} بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها، يلهمهم الله ذلك: أو تعرّفهم الملائكة.

.تفسير الآيات (47- 49):

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
إذا نظروا إلى أصحاب الجنة نادوهم بالتسليم عليهم {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار} ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم. ونادوا رجالاً من رؤوس الكفرة يقولون لهم: {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} إشارة لهم إلى أهل الجنة، الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا، وكانوا يقسمون أن الله لا يدخلهم الجنة {ادخلوا الجنة} يقال لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفونهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون. وفائدة ذلك بيان أن الجزاء على قدر الأعمال، وأن التقدم والتأخر على حسبها، وأن أحداً لا يسبق عند الله إلا بسبقه في العمل، ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه فيه، وليرغب السامعون في حال السابقين ويحرصوا على إحراز قصبتهم، وليتصوروا أن كل أحد يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشرّ، فيرتدع المسيء عن إساءته، ويزيد المحسن في إحسانه. وليعلم أنّ العصاة يوبخهم كل أحد حتى أقصر الناس عملاً. قوله: {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم} فيه أن صارفاً يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا وقرأ الأعمش: {وإذا قلبت أبصارهم} وقرئ: {ادخلوا الجنة} على البناء للمفعول.
وقرأ عكرمة: {دخلوا الجنة}، فإن قلت: كيف لاءم هاتين القراءتين قوله: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}؟ قلت: تأويله: ادخلوا، أو دخلوا الجنة مقولاً لهم: لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
فإن قلت: ما محل قوله: لم يدخلوها وهم يطمعون؟ قلت: لا محل له لأنه استئناف؛ كأن سائلاً سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل: لم يدخلوها وهم يطمعون، يعني حالهم أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة، فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا. ويجوز أن يكون له محل، بأن يقع صفة لرجال {مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} المال أو كثرتكم واجتماعكم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} واستكباركم عن الحق وعلى الناس، وقرئ: {تستكثرون} من الكثرة.

.تفسير الآيات (50- 51):

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
{أَفِيضُواْ عَلَيْنَا} فيه دليل على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة، ويجوز أن يراد: أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة. كقوله:
عَلَفْتُهَا تِبْنَاً ومَاءً بَارِداً

وإنما يطلبون ذلك مع يأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم، كما يفعل المضطر الممتحن. {حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} منعهم شراب الجنة وطعامها كما يمنع المكلف ما يحرّم عليه ويحظر، كقوله:
حَرَامٌ عَلَى عَيْنِيَّ أَنْ تَطْعَمَ الْكَرَى

{فاليوم ننساهم} نفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} كما فعلوا بلقائه فعل الناسين، فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به.

.تفسير الآيات (52- 53):

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
{فصلناه على عِلْمٍ} عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه، حتى جاء حكيماً قيماً غير ذي عوج قرأ ابن محيصن فضلتاه بالضاد المعجمة بمعنى فضلناه على جميع الكتب، عالمين أنه أهل للتفضيل عليها، و{هُدًى وَرَحْمَةً} حال من منصوب فصلناه، كما أن على علم حال من مرفوعه {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} إلاّ عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} أي تبين وصحّ أنهم جاؤوا بالحق {نُرَدُّ} جملة معطوفة على الجملة قبلها، داخلة معها في حكم الاستفهام، كأنه قيل: هل لنا من شفعاء؟ أو هل نردّ؟ ورافعه وقوعه موقعاً يصلح للاسم، كما تقول ابتداء: هل يضرب زيد؟ ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه. فلا يقدّر: هل يشفع لنا شافع أو نردّ؟ وقرأ ابن أبي إسحاق: {أو نردّ} بالنصب عطفاً على {فيشفعوا لنا} أو تكون (أو) بمعنى (حتى أنّ) أي يشفعوا لنا حتى نردّ فنعمل وقرأ الحسن بنصب {نردّ} ورفع {فَنَعْمَلَ} بمعنى: فنحن نعمل.